فصل: (سورة الأنبياء: آية 37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأنبياء: آية 30]:

{أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالأرض كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما وَجَعَلْنا مِنَ الماء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30)}.
وقوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالأرض كانَتا رَتْقًا فَفَتَقْناهُما} (30). وهذه استعارة. لأن الرّتق هو سد خصاصة الشيء، ويقال: رتق فلان الفتق. إذا سدّه. ومنه قيل للمرأة: رتقاء. إذا كان موضع مرّها من الذّكر ملتحما. وأصل ذلك مأخوذ من قولهم: رتق فتق الخباء والفسطاط وما يجرى مجراهما. إذا خاطه. فكأن السموات والأرض كانتا كالشىء المخيط الملتصق بعضه ببعض، ففتقهما سبحانه، بأن صدع ما بينهما بالهواء الرقيق، والجو الفسيح.
وروى عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب- صلوات اللّه عليه وآله- معنى أن السموات كانت لا تمطر، والأرض لا تنبت. ففتق اللّه سبحانه السماء بالأمطار، والأرض بالنبات.

.[سورة الأنبياء: الآيات 32- 33]:

{وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (32) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (33)}.
وقوله سبحانه: {وَجَعَلْنَا السماء سَقْفًا مَحْفُوظًا} (32) وهذه استعارة. لأن حقيقة السقف ما أظلّ الإنسان، من علو بيت أو خباء، أو ما يجرى مجرى ذلك. فلما كانت السماء تظل من تحتها، وتعلو على أرضها، حسن أن تسمّى سقفا لذلك. ومعنى محفوظا: أي تحفظ مما لا يمكن أن تحفظ من مثله سائر السقوف، من الانفراج والانهدام والتشعث والاسترمام. وقد قيل: معنى ذلك حفظ السماء من مسارق السمع، وتحصينها بمقاذف الشهب.
وقوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (33). وهذه استعارة. لأن أصل السبح هو التقلب والانتشار في الأرض. ومنه السباحة في الماء. ولا يكون ذلك إلا من حيوان يتصرف. ولَكِن اللّه سبحانه لما جعل الليل والنهار والشمس والقمر مسخرة للتقلب في هذا الفلك الدائر والصفيح السائر، تتعاقب فيه وتتغاير، وتتقارب وتتباعد، حسن أن يعبّر عنها بما يعبر به عن الحيوان المتصرف، وزيدت على ذلك شيئا، فعبر عنها بالعبارة عن الحيوان المميز. فقيل: يسبحون، ولم يقل: تسبح، لأنها في الجري على الترتيب المتقن والتقدير المحكم أقوى تصرفا من الحيوان غير المميز. ولأن اللّه سبحانه أضاف إليها الفعل على تدبير ما يعقل، فحسن أن يعبر عنها بالعبارة عما يعقل مثل قوله تعالى: {إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ}. ومثل قوله سبحانه: {قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ} فقال: {ادخلوا} ولم يقل ادخلن. لأن خطابها لما خرج على مخرج خطاب من يعقل كان الأمر لها على مثال أمر من يعقل. وقد مضى الكلام على ذلك فيما تقدم.

.[سورة الأنبياء: آية 37]:

{خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ (37)}.
وقوله سبحانه: {خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ} (37). وهذه استعارة. والمراد أن الإنسان خلق مستعجلا بطلب ما يؤثره، واستطراف ما يحذره. واللّه سبحانه إنما يعطيه ما طلب، ويصرف عنه ما رهب، على حسب ما يعلمه من مصالحه، لا على حسب ما يسنح من مآربه.
وقيل ذلك على طريق المبالغة في وصف الإنسان بالعجلة، كما يقال في الرجل الذكي: إنما هو نار تتوقد، وللإنسان البليد: إنما هو حجر جلمد.
فأما من قال من أصحاب التفسير: إن العجل هاهنا اسم من أسماء الطين، وأورد عليه شاهدا من الشعر، فلا اعتبار بقوله، ولا التفات إلى شاهده، فإنه شعر مولد وقول فاسد.

.[سورة الأنبياء: آية 46]:

{وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (46)}.
وقوله سبحانه: {وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ} (46). ولفظ النفحة هاهنا مستعار. والمراد بها إصابة الشيء اليسير من العذاب.
يقال: نفح فلان فلانا بيده. ونفح الفرس فلانا بحافره. إذا أصابه إصابة خفيفة، ولم يبلغ في إيلامه الغاية. فكأن النفحة هاهنا قدر يسير من العذاب، يدل واقعه على عظيم متوقعه، وشاهده على فظيع غائبه.

.[سورة الأنبياء: آية 65]:

{ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (65)}.
وقوله سبحانه: {ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} (65) وهذه استعارة. والمراد بها وصف ما لحقهم من الخضوع والاستكانة والإطراق عند لزوم الحجة، فكأنهم شبّهوا بالمتردي على رأسه، تدويخا بنصوع البيان، وإبلاسا عند وضوح البرهان.

.[سورة الأنبياء: آية 74]:

{وَلُوطًا آتَيْناهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (74)}.
وقوله سبحانه: {وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ} (74) ولفظ القرية هاهنا مستعار. والمراد به الجماعة التي كانت تعمل الخبائث من أهل القرية. وكشف سبحانه عن ذلك بقوله: {إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ} وفى هذا الكلام خبر عجيب، لأنه تعالى جعل ما يلى لفظ القرية مؤنثا، إذ كانت مؤنثة، فقال: {الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ}. وجعل بقية الكلام مذكرا، فقال: {إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ} لأن المراد به مذكر، فصار الكلام في الآية على قسمين: قسم عائد إلى اللفظ، وقسم عائد على المعنى. وهذا من عجائب القرآن.

.[سورة الأنبياء: آية 79]:

{فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًا آتَيْنا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ (79)}.
وقوله سبحانه: {وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ} (79) ويسبح هاهنا استعارة. وقد مضى من الكلام في الرعد على قوله تعالى: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} ما هو بعينه تأويل تسبيح الجبال هاهنا. وقد قيل في ذلك وجه آخر يخرج به الكلام من حد الاستعارة. وهو أن يكون قوله تعالى: {يُسَبِّحْنَ} هاهنا مأخوذا من التسبيح، وهو الإبعاد في السير، والتصرف في الأرض. لا من التسبيح. فكأنه تعالى قال: وسخّرنا مع داود الجبال يسرن في الأرض معه، ويتصرفن على أمره، طاعة له. ونظير ذلك قوله سبحانه في سبأ: {يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} أي سيرى معه. والتأويب السير. وإنما قال تعالى: {يُسَبِّحْنَ} عبارة عنها بتكثير الفعل من السّبح. وقال سبحانه: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحًا طَوِيلًا} أي تصرفا ومتسعا. ومجالا ومنفسحا.

.[سورة الأنبياء: آية 91]:

{وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابنها آيَةً لِلْعالَمِينَ (91)}.
وقوله سبحانه: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا (91)}.
وهذه استعارة. والمراد هاهنا بالروح: إجراء روح المسيح عليه السلام في مريم عليها السلام، كما يحرى الهواء بالنفخ. لأنه حصل معها من غير علوق من ذكر، ولا انتقال من طبق إلى طبق. وأضاف تعالى الروح إلى نفسه، لمزية الاختصاص بالتعظيم، والاصطفاء بالتكريم. إذا كان خلقه المسيح عليه السلام، من غير توسط مناكحة، ولا تقدم ملامسة.

.[سورة الأنبياء: آية 93]:

{وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (93)}.
وقوله سبحانه: {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ} (93). وهذه استعارة. والمراد بها: أنهم تفرقوا في الأهواء، واختلفوا في الآراء، وتقسمتهم المذاهب، وتشعبت بهم الولائج. ومع ذلك فجميعهم راجع إلى اللّه سبحانه، على أحد وجهين: إمّا أن يكون ذلك رجوعا في الدنيا. فيكون المعنى: أنهم وإن اختلفوا في الاعتقادات صائرون إلى الإقرار بأن اللّه سبحانه خالقهم ورازقهم، ومصرفهم ومدبرهم. أو يكون ذلك رجوعا في الآخرة، فيكون المعنى أنهم راجعون إلى الدار التي جعلها اللّه تعالى مكان الجزاء على الأعمال، وموفّى الثواب والعقاب وإلى حيث لا يحكم فيهم، ولا يملك أمرهم إلا اللّه سبحانه.
وشبّه تخالفهم في المذاهب، وتفرقهم في الطرائق، مع أن أصلهم واحد، وخالقهم واحد، بقوم كانت بينهم وسائل متناسجة، وعلائق متشابكة، ثم تباعدوا تباعدا قطع تلك العلائق، وشذب تلك الوصائل، فصاروا أخيافا مختلفين، وأوزاعا مفترقين.

.[سورة الأنبياء: آية 98]:

{إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (98)}.
وقوله سبحانه: {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ} (98) هذه استعارة. لأن الحصب هو ما يرمى به من الحصباء، وهى الحصا الصغار. يقال: حصب فلان فلانا. إذا قذفه بالحصا. ويقولون: حصبنا الجمار. أي قذفنا فيها بالحصبات. فشبّه سبحانه قذفهم في نار جهنم بالحصباء التي يرمى بها. من ذلّ مقاذفهم، وهوان مطارحهم.
وفى ذلك أيضا معنى لطيف، وهو أنه سبحانه لما قال: {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} والمراد هاهنا- واللّه أعلم- بما تعبدون: الأصنام، والأغلب عليها أن تكون من الحجارة، حسن أن يسمّى الرمي بها في نار جهنم حصبا، وتسميتها حصبا إذ كانت حجارة ومن جنس الحصباء، وجاز أن يسمّى قذف العابدين لها في النار أيضا بذلك، حملا على حكمها، وإدخالا في جملتها.
والفائدة في قذف الأصنام مع عابديها في نار جهنم أن يكون من زيادات عقابهم، ورجحانات عذابهم، لأنهم إذا كثرت مشاهدتهم لها في أحوال العذاب كان ذلك أعظم لحسرتهم على عبادتها، وندمهم على الدعاء إليها.
وقد قيل أيضا إنها إذا حميت بوقود النار- نعوذ باللّه منها- لصقت بأجسامهم، فكانت من أقوى أسباب الإيلام لهم. وعلى هذا التأويل حمل جماعة من المفسرين قوله تعالى: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ} وقوله سبحانه: {يَوْمَ نَطْوِي السماء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}. وهذه استعارة والمراد بها على أحد القولين: إبطال السماء ونقض بنيتها، وإعدام جملتها. من قولهم: طوى الدّهر آل فلان. إذا أهلكهم، وعفّى آثارهم. وعلى القول الآخر يكون الطّىّ هاهنا على حقيقته فيكون المعنى: إن عرض السموات يطوى حتى يجتمع بعد انتثاره، ويتقارب بعد تباعد أقطاره. فيصير كالسجل المطوى، وهو ما يكتب فيه من جلد، أو قرطاس، أو ثوب، أو ما يجرى مجرى ذلك. والكتاب هاهنا مصدر، كقولهم: كتبت، كتابة، وكتابا، وكتبا. فيكون المعنى: يوم نطوى السماء كطى السجل ليكتب فيه، فكأنه قال تعالى: كطى السجل للكتابة، لأن الأغلب في هذه الأشياء التي أومانا إليها أن تطوى قبل أن تقع الكتابة فيها، لأن ذلك الطى أبلغ في التمكن منها. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة الأنبياء:
سورة الأنبياء من أواخر ما نزل في العهد المكى، وسميت كذلك لأنها تضمنت أسماء ستة عشر نبيا مع إشارة وجيزة إلى تاريخهم، وإن كان الكلام قد طال عن إبراهيم وحده. وفى السورة ما يشير إلى أن المرسلين من الرجال، فهم أقدر على حمل الأعباء الجسام ومقارعة صناديد الكفر: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}. ومن العلماء من يسلك مريم وأم موسى في عداد الأنبياء، وإن لم تكن حملة رسالات!!. ومطلع السورة يدل على أن مشركى مكة كانوا موغلين في الضلال!، وعبادة الدنيا. كانت معرفتهم بالله غامضة، ومعرفتهم بشركائه الموهومين قوية، وكانوا ينكرون البعث والجزاء، ولا يحيون إلا ليومهم الحاضر. وصورت السورة ذلك في قوله تعالى: {اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون لاهية قلوبهم} وقد رد القرآن على منكرى البعث هنا بأدلة شتى، منها قوله: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين} لابد من حساب دقيق على ما نقدم ونؤخر، وما أحسن قول المعرى:
خلق الناس للبقاء فضلت ** أمة يحسبونهم للنفاد

إنما ينقلون من دار أعمال ** إلى دار شقوة أو رشاد

وقد استدل القرآن على البعث بالدليل البديهى على جوازه وهو أن خالق العالم أولا يستطيع إفناءه وإعادته ثانيا: {أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي}. وأغلب العلماء يقررون ما يسمى بنظرية السديم، وهى تقوم على أن الكواكب كانت جزما واحدا ثم تبعثرت- بصنع الله- على هذا النحو المشاهد، وأخذ كل كوكب مداره!. والغريب أن باطن الأرض ملتهب، وأن القشرة التي نعيش عليها- وهى إطار ذلك اللهب المصهور- ملآى بالماء الذي يحيا به كل شيء وترف به الزروع والزهور! ما أغرب هذه القدرة {وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون}. ولَكِن إنكار البعث شائع في الأولين والآخرين.. والناس في عصرنا الحاضر سكارى بخمرة الحياة الدنيا فما يفيقون منها، ولايسيغون كلاما عن اليوم الآخر، بل لعلهم يسخرون منه {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون}. ثم بين سبحانه أن الحساب في الآخرة دقيق، لاتجاوز فيه ولاتفريط، لاوكس ولاشطط {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}. والمشركون يضفون إلى استبعاد البعث تكذيبهم للنبى- عليه الصلاة والسلام- واتهامه بالسحر والافتراء {وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم}؟ وهذه الكلمة تخفى وراءها ضيق الناس بكل من آثره الله بموهبة جليلة أو اختصاص كريم!. إن المرسلين يجب أن يكونوا بشرا مجانسين لنا حتى يمكن الاقتداء بهم والأخذ عنهم، بشرا يحسون أشواقنا وآلامنا، ويتعرضون بأبدانهم وغرائزهم إلى الابتلاء والمجاهدة، كيف يتعلم البشر التسامى والتطهر من ملك نزل من السماء لن تكون له زوجة أو ولد، ولن يتعرض لما يضحك ويبكى... وقد طلب المشركون- ليؤمنوا- معجزة مادية قالوا: {فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ما آمنت قبلهم من قرية أهلَكِناها أفهم يؤمنون}. إنهم لن يؤمنون ولو جاءتهم كل آية كما قال في سورة أخرى: {ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون} وسينتهى العناد بهؤلاء إلى الهلاك... وينبه الله سبحانه العرب إلى أنه اختار محمدا منهم ليرفع شأنهم في العالمين، ويجعلهم أصحاب رسالة تحولهم من وعاة للغنم إلى رعاة للأمم: {لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون}.